دخلت متوتراً معمل الكلية المتواضع ووضعت أوراقي في المكان المخصص لي، أخذت بالتظاهر في ترتيب أجهزتي المعملية لعل هذا يخفف من اضطرابي فهذه أول مرة سأختبر فيها عمليا لمادة الكيمياء الفيزيائية، قاطعني صوت المشرف " الزمن ساعتان الرجاء كتابة الاسم بخط واضح على ورقة الرسم البيانى". خلال خمس دقائق تحول المعمل إلى خلية نحل، الكل يعمل ويكتب ويسجل، أخذت ماصتي لأستخرج 5 مللي من هذا الحمض.. كانت هذه الماصة بدائية(وهي شبيهة بالقلم الزجاجي الفارغ) فنحن نضع هذه الماصة داخل زجاجة الكيماويات ثم نقوم بالسحب من هذه الزجاجة بالفم، كنت أريد أن املء هذه الماصة ب 5مللي من الحمض فوضعت فوهتها داخل زجاجة الحمض وقمت بالسحب بفمي فلم يمتلئ إلا 2 مللي، أخذت نفساً عميقاً ثم قمت بالسحب مرة أخرى... ولكن هذه المرة كان السحب قوياً جداً.. كان أكثر مما أريد، وساعد على ذلك دخول فقاعة هواء حتى دخل الحمض إلى فمي.. هرولت مسرعاً إلى حوض الماء فقذفت ما في فمي من الحمض في الحوض الذي أمامي وتمضمضت بالماء لكي أزيل أكثر هذا الحمض.. ولكن أنا قرأت عن هذا الحمض في أول الدراسة.. على ما أعتقد كان ساماً.. فتحت أوراقي لأقرأ سريعاً الخواص الكيميائية لهذا الحمض فوجدت الآتي " الحمض شديد السمية يكفي الجرعة الصغيرة منه للقضاء على حيوان بحجم الفيل في خمس ثواني".
لم أتمالك نفسي عندما قرأت هذه العبارة فانثنيت كأن أحداً ضربني في بطني، ولكن لم ألبث قليلاً حتى تهاويت إلى الأرض جالساً، الآن سأموت وخلال ثواني.. لا أستطيع الحركة.. لا أستطيع الكلام.. بعد قليل سوف أموت في المعمل ولن يدري بي أحد.. وددت لو كنت عالماً أو باحثاً ولكن ضاعت كل أحلامي ومت مجهولاً في معمل الكلية الصغير.
زملائي مشغولون ويعلوا وجوههم العبس. لا يفكرون إلا في الاختبار فقط. إنهم حتى لم يهتموا بوجودي جالساً على الأرض وأنا أنتظر الموت .. هؤلاء أصدقائي الذين كانوا يضحكون معي في الخارج .. الآن هم أهملوني أنتظر الموت وحدي .. يالا قسوة الإنسان الكل يجيء ويذهب في رتابة وكأنهم قطع متحركة بلا مشاعر ولا قلوب...
وددت لو أصرخ فيهم ولكن لا وقت للصراخ أو البكاء فما هي إلا ثواني معدودة وألقى نهايتي المحتومة متأثراً بهذا الحمض السام.
انكببت على نفسي أفكر في حياتي فلن ينفعني أحد من الناس الآن .. أخذت أتذكر لحظات الطفولة .. حنان أبواي لي..
عراكي مع أصدقائي في المدرسة.. دراستي في الفترة الثانوية لقطات متباعدة.
متداخلة .. سريعة .. كل حياتي تمر أمام عيني وكأني أستنشق رائحة الدنيا قبل أن أفارقها.
أخذت أفكر أين سأذهب بعد قليل؟ هل سأحيا سعيداً كما كنت في الدنيا مع أبوي وأصدقائي؟ أين كنت قبل خمسين عاماً؟
أسئلة كثيرة طرأت على ذهني في هذا الوقت، قلت وكأني أجيب على نفسي محاولاً طمأنتها " لم تكن شريراً وكنت تساعد الناس فستكون حياتك في الآخرة سعيداً بإذن الله وستدخل الجنة ". قاطعني فجأة صوت كالفحيح .. لا أدري صوت من هذا.. هذه ليست نفسي.. هل هو شيطان؟ أم خواطر سيئة " لا يوجد جنة ولا نار " .
رددت عليه محتداً " هذا مخالف لكل ما جاء به الأنبياء ومخالف لما جاء به محمد عليه السلام خاتم الرسل والأنبياء " .
بنفس الصوت القبيح قال: " ومن قال لك أن محمداً رسول ؟ لما لا يكون دَّعياً ؟ ".
قلت برصانة " ألم يبعث الله موسى عليه السلام بمعجزات منها العصى منها العصى التي تحولت إلى ثعبان وسجد بعد ذلك السحرة كلهم لما تيقنوا أن معجزة موسى من عند الله وليست سحراً؟ ألم يبعث الله عيسى عليه السلام بمعجزات منها إحياء الموتى ومولده بغير أب وكلامه عند المهد فلما رأي المؤمنون ذلك أتبعوه وعرفوا أنه مبعوث من قبل الله؟
والرسول محمد عليه السلام ليس مختلفاً عن باقي الرسل فلقد بعثه الله ومعه معجزة دالة على رسالته ".
القرآن الكريم:
فلقد أنزل الله تعالى إلى رسوله محمد القرآن وهو كلام الله فهو يختلف عن كلام البشر، فهو معجز وآية بينة لكل من قرأه وتدبر معانيه (1)، وقبل أن أكمل باقي أوصاف القرآن أتاني الصوت قائلاً " بل هو من تأليف محمد وقبل أنه كلام الشياطين ".
" أولاً هل الشياطين تأمر بالرحمة وببر الوالدين و بالأخلاق النبيلة؟ الإجابة لا .. الشياطين تأمر بالفحشاء والمنكر وهذا معروف للعامة فإذا قرأت القرآن تجد آياته تحث على عبادة الله وصلة الأرحام وبر الوالدين وجميع الأخلاق الحميدة كما أنها تنهى عن جميع أنواع الفواحش من كذب وسرقة وربا وزنا، فهل يعقل أن كل هذه الفضائل تصدر من شيطان؟ بل هو كلام الله وهو شيء واضح وجلي لكل من يقرأ القرآن ويحاول فهم معانيه وتدبر آياته.
وثانياً كيف يؤلف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتاباً معجزاً كهذا عجز البشر عن الإتيان بمثله وهو أمي يجهل القراءة والكتابة ولم يكن يجلس عند الكهان أو رجال الأديان السابقة ".
أتى الصوت مرة أخرى ولكن هذه المرة قال بصوت ضعيف " ولكن يوجد كتب كثيرة فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمصلحين كثيرين في العالم فلما لا تكون هذه الكتب أيضاً من عند الله " .
" كما قلت من قبل القرآن كلام الله وباقي الكتب هو من كلام البشر وهل يستوي كلام الله وكلام المخلوق؟ الفرق واضح وجلي لكل من يقرأ القرآن ويتدبر معانيه .. فمثلاً لو جئنا بسيارتان BMWأحداهما بلاستيكية مصغرة للأطفال والأخرى حقيقية كبيرة.. الإثنان يصح أطلاق اسم السيارة عليهما فعند مقارنة الأثنان ببعضهما ستقول إن إطار السيارة الحقيقية أكبر من الإطار في اللعبة والكشاف الأمامي للسيارة أكبر منه في اللعبة والوسادة هنا إسفنجية مريحة وهنا بلاستيكية صماء، ولله المثل الأعلى فعند مقارنتك للقرآن بكلام البشر من المشهورين تجد الفرق كبير بين هذا وذاك من جميع الزوايا ".
المعجزات العلمية:
حتى لغير الناطقين باللغة العربية يستطيعوا التأكد وبقليل من البحث أن هذا القرآن الذي بلغه محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله وليس من تأليف بشر، فقد أخبر الله تعالى عن بعض المعلومات العلمية الدقيقة في القرآن منذ أكثر من أربعة عشرة قرناً والتي لم تكن معروفة في وقت بعثة الرسول، بل كان من المستحيل التواصل إلى هذه الحقائق آنذاك وهي في مجالات عديدة مثل الطب والفلك والجيولوجيا والنباتات.
عصر ما قبل الميكروسكوب:
هل من الممكن أن تصف لي مراحل نمو الجنين في بطن أمه بدون الحاجة إلى استخدام كاميرات أو معدات حديثة؟ هل ممكن أن تتخيل عملية التخصيب بدون فحص الحوينات المنوية أو البويضات مجهرياً. هذا بالطبع مستحيل.
فكيف تعرف ما يحدث في رحم المرأة من إخصاب ونمو الجنين وهذا كله غير مرئي إلا باستخدام التقنيات الحديثة كأجهزة السونار وغيرها.
بالرغم من ذلك نجد القرآن يصف لنا الكثير من الحقائق العلمية والتي كان يستحيل كشفها قبل 1400سنة.
تكون الجنين من ماء الرجل وماء المرأة:
لم تكن هذه الحقيقة معروفة فحتى القرن السادس عشر كان يعتقد أن الجنين يتولد من دم الحيض!! إلى أن جاء العالم هارتوسوكر سنة 1694 ميلادية (2).
بعد إكتشاف الميكروسكوب ليرسم الحوين المنوي محتوياً على قزم ليعبر عن الفكرة السائدة التي كانت عندهم بان الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في الحوين خلقاً تاماً في الحوين المنوي وهم لم يعرفوا بعد أن خلق الإنسان في رحم أمه يكون في أطوار مختلفة وقال آخرون إن الإنسان يتخلق تخلقاً تاماً في بويضة المرأة، وبينما كان الجدل العلمي قائماً بين علماء الغرب في السؤال الذي حيرهم.. مما يتخلق الجنين؟ هل من الحوين المنوي ؟ أم من بيضة المرأة ؟ كانت الحقيقة القرآنية واضحة في ذلك الشأنوهي أن عملية التخلق مشتركة بين الذكر والأنثى.
قال الله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " سورة الحجرات الآية13.
مر يهودي برسول الله وهو يحدث أصحابه فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي. قال فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله" يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل ونطفة المرأة ".
طور العلقة والدودة :
بعد عملية تخصيب الحوين المنوي للبويضة يكون شكلهما دائري كقطرة الماء التي يسمى الزيجوت ثم تواصل نموها فتنقسم إلى خلايا أصغر فأصغر تدعى القسيمات الجرثومية Blastomeresثم تتحول هذه القطرة إلى كتلة حمراءBlastocystوتلتصق بجدار رحم الأم للتغذى من دمها فالجنين في هذه المرحلة شبيهاً بالدودة التي تمص دم الكائنات الحية في الماء، وبهذا التشبيه صرحت به هيئة الإذاعة البريطانية BBCفي فيلمها العلمي التسجيلي " هيومان بودي "( Human Body"(3).
وصف لنا القرآن أطوار نمو الجنين بالتالي : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " سورة المؤمنون (12ـ 14).
صورة لحشرة العلقة التي شبه الله تعالى بها أحد أطوار خلق الإنسان
وفي موضع آخر " أقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق " سورة العلق(1ـ 2).
نلاحظ وصف القرآن للجنين في هذه المرحلة بالعلق والعلق في اللغة العربية هو الدم الغليظ .. والقطعة منه علقة والعلقة أيضاً دودة في الماء تمتص الدم.
(تفسير أبي بكر الرازي في مختار الصحاح باب العين).
انظر إلى دقة الوصف القرآني لهذه المرحلة الدقيقة من النمو.. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إما كان يكون طبيباً متخصصاً في علم الأجنة وذو إمكانية معملية غاية في الدقة والتطور أو أن يكون خالق هذه العلقة هو الذي أخبره عن أسرارها .. ولكن من المعروف أن النبي كان أمياً ولم يكن عالماً متخصصاً في الأجنة ولم يكن لأحد على وجه الكرة الأرضية الإمكانات العلمية الحديثة لاختراق رحم المرأة أو تصوير ودراسة الأجنة المتناهية في الصغر بل وصفها وتصنيفها بهذه الدقة وقت ذاك، فمحمد رسول الله (4)، والقرآن هو كلام الله خالق الإنسان وخالق كل شيء.
د. موريس بوكاي (Maurice bucaille):
على الرغم من إرتياحي من ذهاب هذا الصوت اللعين الذي كان يأتيني إلا أنني لم أنته بعد من وصف أطوار الجنين فلم أتكلم عن المضغة ولم أتكلم عن كسو العظام لحماً.. إنني وددت لو قلت له بعض الأوصاف العلمية الدقيقة في القرآن لتكون الجبال والأمطار وفي عالم الفلك والبحار ولكنه لم يمهلني(5)وتركني أتفكر في قول الدكتور الفرنسي صاحب كتاب " التوراة والإنجيل والقرآن والعلم "د. موريس بوكاي".
( شعرت بالحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرفها، ذلك حتى أكون قادراً على التقدم في دراسة هذا الدين الذي يجهله الكثيرون ولقد أذهلني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي، لقد أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات، والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد عليه الصلاة والسلام أن يكون عنها أدنى فكرة .. " . ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً نفس النص الأول. ما التعليل ؟ إذ ليس هناك سبب خاص يدعوا للإعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات بحوالي عشرة قرون!) .
صورة للدكتور موريس بوكاي
فتحت عيناي ببطء .. إني لا أزال على قيد الحياة .. لم أمت بعد.. مازلت جالساً على الأرض في المعمل .. بدأت أحرك في أصابعي .. لا أشعر بأي شيء غريب.. قمت من مكاني متثاقلاً .. لا أشعر بأي أعراض تسمم .. نظرت في الساعة .. لقد جلست قرابة الثلاث دقائق والحمض يقتل خلال ثواني ! لعلي تمضمضت جيداً .. لا أدري .. ذهبت إلى مشرف المعمل وقصصت له ما حدث فقال " لا تبالي الحمض مخفف جداً وأنت لم يدخل جوفك شيء فلا تقلق .. ثم أردفت بصوت عالي سأقوم بجمع الأوراق في الوقت المحدد ولا عذر لأحد .. عندها أسرعت لكي أتم الأختبار العلمي وكلي عزم على أن أبلغ وأبين رسالة الله قبل أن أموت وحيداً في المعمل "